- أغسطس 14, 2018
- تم النشر من قبل: Anas Mokayad
- التصنيف: مقالات

تعود القوة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، كانت أغلب دول العالم إما مدمرة نتيجة مشاركتها بالحرب كأوربا، الاتحاد السوفييتي واليابان، أو دولاً نازحة وتابعة تحت الاحتلال والاستعمار المباشر كشبه القارة الهندية (الهند الحالية، باكستان، بنغلاديش) ومعظم دول القارة الأفريقية والشرق الأوسط، وقد تمت سرقة ونهب ثروات هذه الشعوب ومقدراتها لصالح الدول الاستعمارية الكبرى (بريطانيا وفرنسا). إستفادت الولايات المتحدة من هذا الوضع العالمي فكانت معاملها تعمل ليل نهار لتغطية العجز في العرض الذي كان يشمل كافة أنواع السلع والخدمات وفي مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية، والكل هنا يعرف خطة مارشال الأمريكية التي أطلقها جورج مارشال عام 1947 رئيس أركان الجيش الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة إعمار أوروبا.
قائد الهيئة التي أقامتها حكومات غرب أوروبا للإشراف على إنفاق 12.9925 مليار دولار أميركي قد سميت ” منظمة التعاون والاقتصادي الاوربي” وقد ساهمت هذه الأموال في إعادة إعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الأوروبية، بداية التبعية الأوروبية للولايات المتحدة بدأت من تلك اللحظة. |
هذا الوضع سمح للولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أقوى اقتصاد في العالم آنذاك، والتي لم تتضرر كثيراً من الحرب السيطرة على أوروبا والتحكم في إقتصادها ومفاصل الحياة فيها بسبب إنتشار الفقر والبطالة والدمار في البنية التحتية نتيجة الحرب، بل نستطيع القول أن الولايات المتحدة ورثت قوة أوروبا الاستعمارية وحلت مكانها. أكملت الولايات المتحدة إحكام سيطرتها الاقتصادية التامة على الاقتصاد العالمي بامساكها وتحكمها بشرايين هذا الاقتصاد وذلك عبر سيطرتها على قطاع المصارف والتجارة الدولية، بل أكثر من ذلك عملت ولا زالت الولايات المتحدة الأمريكية تعمل وتسن القوانين الدولية بما يضمن مصالحها الاستراتيجية حيث لم يكن هناك أحد ليقف في وجها أو يمنعها من تحقيق ذلك منذ ذلك التاريخ الى يومنا هذا.
ماذا حدث وكيف تم ذلك ؟
قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1944 وبعد أن لاح النصر لدول الحلفاء دعت الولايات المتحدة أكثر من 40 دولة حول العالم إلى مؤتمر بريتون وودز الإقتصادي الشهير، وكانت من نتائج هذا المؤتمر إنشاء صندوق النقد الدولي الذي أقر نظام مالياً جديداً ليضمن الثبات في أسعار صرف العملات فيما بين الدول الأعضاء، حيث خير الدول الأعضاء بين تحديد قيمة عملتها بالذهب او بالدولار الأمريكي، كما حدد أن كل واحد دولار أمريكي يساوي 0.88671 غرام من الذهب، وتعهدت الولايات المتحدة بتبديل الدولار بالذهب متى أرادت الدول ذلك، فتحول الدولار من عملة محلية خاصة بالولايات المتحدة إلى أكثر من عملة عالمية الى عملة احتياطي عالمي تسعى البنوك المركزية لشرائها والاحتفاظ بها في بنوكها المركزية كأساس لتقييم عملاتها الوطنية، مما زاد من الطلب العالمي على الدولار الأمريكي حول العالم.
يعتبر هذا الحدث الأعظم بالنسبة للدولار الأمريكي، أما بالنسبة لبقية دول العالم على اختلاف مذاهبها وأنظمتها الاقتصادية والسياسية يعتبر صك عبودية وتبعية لاقتصاد الولايات المتحدة، وكانت هذه نقطة التحول الرئيس في النظام النقدي العالمي الذي عرفت الولايات المتحدة الأمريكية كيف تستغله وتستفيد منه للهيمنة على اقتصاد العالم، فبعد حوالي 25 عاما من العمل بهذا النظام النقدي العالمي قامت الولايات المتحدة بفك إرتباط عملتها (الدولار الأمريكي) بالذهب ولم تعد تقوم بتبديل الدولارات بما يقابلها من الذهب كما كان سائداً سابقاً، وقد ساقت حينئذ ذرائع مختلفة لسنا بصدد بحثها هنا، ولكن باختصار قال الرئيس الأمريكي نيكسون قولته الشهيرة أن الطلب على الدولار يتم ليس بسبب كونه عملة يمكن مبادلتها بكمية محددة ومعروفة من الذهب بل لكونه دولار الولايات المتحدة وعملتها الوطنية بحد ذاته ولقوة الاقتصاد الأمريكي وليس إلى أي سبب آخر، وحكومة الولايات المتحدة لم تعد ملزمة بعد اليوم تبديل الدولار الذي بحوزة الدول الأخرى بالذهب، وبهذا تمت أكبر سرقة اقتصادية في التاريخ الحديث.
صدمة نيكسون Nixon shock هي سلسلة من التدابير الاقتصادية التي قام بها رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون في عام 1971، وأهمها كان إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأمريكي إلى الذهب. |
النتائج والانعكاسات؟
نتيجة هذا القرار إرتفع سعر أونصة الذهب من 35 دولاراً أمريكياً إلى أكثر من 350 دولار نتيجة انخفاض قيمة الدولار الأمريكي إلى العشر تقريباً وتجدر الإشارة الى أن الولايات المتحدة كانت ومازلت تمتلك أكبر إحتياطي من الذهب في العالم نتيجة شرائها له على أساس إمكانية أو احتمال مبادلته بالدولار، إضافة الى وجوده كفلزات معدنية طبيعية في أراضيها.
بعد هذا التاريخ أصبحت الولايات المتحدة تستطيع طباعة الدولار بشكل غير مقيد ودون ثوابت معينة، ولكي تحافظ الحكومة الأمريكية على دور عملتها كعملة عالمية أصدرت أوامرها الى الدول المصدرة للنفط (الذي كان يعتبر السلعة الإستراتيجية الاولى في العالم ومحرك الإقتصاد العالمي) في العالم من حلفائها أو من الدول النفطية المهمين عليها من قبل الولايات المتحدة باعتماد الدولار الأمريكي وحده في بيع النفط في الأسواق العالمية، هكذا حافظ الدولار الأمريكي على كونه عملة عالمية تسعر بها السلع الاستراتيجية في العالم كالنفط والذهب وباقي المعادن وكذلك أغلب المنتجات الزراعية الاستراتيجية إلى يومنا هذا.
كلمة أخيرة يمكننا قولها ” سيبقى الدولار الأمريكي مسيطراً والولايات المتحدة الأمريكية مهيمنة على إقتصاد العالم طالما أن الدولار الأمريكي ما زال يُنظر إليه كعملة إحتياط دولية، تودع في البنوك المركزية للدول والاتحادات الاقتصادية الدولية، وطالما هو عملة تقوم بها أغلب السلع الاستراتيجية في العالم كالذهب والنفط وما شابه، هذا إضافة إلى تمتع الولايات المتحدة الأمريكية بما يسمى بالميزة التنافسية لأكثر من 40% من السلع والخدمات الاقتصادية حول العالم وإمتلاك الولايات المتحدة السيطرة التامة على قطاع البنوك و قوانين التجارة الدولية، وهي بالتأكيد لن تتخلى عن هذه الميزات المالية والاقتصادية بسهولة.